العامل الوراثي (الحلقة الثالثة)
دعوني ابدأ بهذه القصة القصيرة٬
شخصان لا يوجد فرق بينهما في المظهر أو الذكاء،
لكن الفرق هو أن أحدهما عالِم والآخر مُجرم،
العالِم مغمور باكتشافاته والمُجرم مغمور بالاحتيال على الآخرين،
العالِم عاش وتربّى في عائلة جعلته يتعجّب بقصص المخترعين ثم نشأ في بيئة وجّهَته وجهة عملية واختلط بأصدقاء كانوا قدوة لهُ فانقادَ بهذا الطريق.
أم المُجرم عاش وتربّى في عائلة جعلته يتعجب بقصص المجرمين ثم نشأ في بيئة ساعدته على ألّا يميّز بين الصح والخطأ واختلط لاحقاً بأصدقاء فاسدين نمّو فيه هذا السلوك إلى أن وصل لذروته وأصبح مجرماً.
لنسترجع إذاً السؤال الذي طرح في الحلقة الثانية وهو:
هل شخصيتي تكونت من خلال وراثة سمات من الأهل أم من خلال البيئة التي كُنت أعيش فيها والتي أعيش فيها الآن ؟ أم هو مزيج من الطرفين ؟
الدراسات التي تتحدث عن التأثير الوراثي لسلوكيات الإنسان وفهم هذا التأثير تقول؛
١. يحمل الشخص ذكراً أو أنثى ٤٦ كروموسوماً، وتكون هذه الكروموسومات على شكل أزواج، كل زوج عبارة عن ٢٣ كروموسوماً وبالتالي يرث الإنسان نصف عدد الكروموسومات؛ ثلاثة وعشرين من أمه، وثلاثة وعشرين من أبيه.
٢. هناك باختصار نوعين من الوراثة ؛
الأول هو التحديد الوراثي Genetic determination
والثاني التأثير الوراثي Genetic influence.
ماذا يعني هذا ؟
النوع الاول (التحديد الوراثي) يسمّى أيضاً بالوراثة غير المكتسبة للسلوكيات التي تظهر على الإنسان دون أن يتعلمها، والتي لا علاقة للتربية بها، بل يتمّ توارثها من جيل إلى آخر، بحيث تنتقل من الآباء إلى الأبناء، عن طريق الكروموسومات التي تحمل الجينات، الموجودة في الشيفرة الوراثية DNA ومنها مثلاً لون العينين، فصيلة الدم أو الصفات العقلية مثل الذكاء.
النوع الثاني (التأثير الوراثي) تسمى بالوراثة المكتسبة التي تظهر على الإنسان من خلال التربية والتأثير الاجتماعي والبيئة المحيطة بالإنسان. فغالباً هي من تحدد الصفات السلوكية مثل إدمان الكحول أو السمنة أو سلوك / مشاعر الشخص تجاه نفسه أو الآخرين من نفس الجنس أو من جنس آخر. هذا السلوك لا يظهر إلى النور إلا في حالة وجود بعض العوامل البيئية الأخرى. فلا يمكن أن يصبح الإنسان مدمناً للكحول إلا بعد أن يتعاطى الكحول بإفراط ولا يمكن أن يصاب بالسمنة إذا كان يتبع نظاماً غذائياً صحياً.
هذا أيضاً يتعلق بسلوك الإنسان ، لا يعني أن سلوكك حتى و إن كان موروثاً فإنه مطلق وغير قابل للنضوج، ومهما كان هذا السلوك فهو نتيجة توافر بعض العوامل البيئية الأسرية والاجتماعية التي أثرت ومازالت تؤثر في شخصيتك.
باختصار
كل ما تملكه من سلوك هو أولاً مزيج موروث من جينات والدكَ ووالدتكَ (أي من جنسين مختلفين). لكن هذا الموروث تأثر نتيجة عوامل بيئية ٬أسرية واجتماعية.
سلام ومحبة