هناك حقيقة مُرّة لا نجرؤ أن نقولها بصوت عالٍ:
نحن نعيش زمنًا صار فيه الإيمان “مسرحية”، وصار القلب آخر من يشعر بالله.
نرى أشخاصًا يتنقّلون بين اللقاءات، يقفون دقائق قليلة، يلتقطون صورة مدروسة، يرفعونها على مواقع التواصل… ثم ينسحبون سريعًا، مطمئنين أنّ العالم سيقول عنهم: “ما أروع إيمانهم!”
لكن هؤلاء في العمق يعرفون جيدًا أنهم يهربون من مواجهة حقيقتهم الداخلية.
وهنا تبدأ الكارثة:
الأكذوبة الدينية أصبحت أسهل من المواجهة النفسية.
نعم… نحن نعيش أكذوبة إيمانية ضخمة
أكذوبة تجعل الإنسان يخاف على صورته أكثر مما يخاف على خلاصه.
أكذوبة تجعله يفضّل إعجاب الناس على صراحة القلب.
أكذوبة يظن فيها أنّ الدين هو حضور خارجي، بينما الداخل مقبرة مشاعر مشتعلة لم يُشفِها أحد.
المسيح وصف هذا المرض بدقة مرعبة:
“هذا الشعب يكرمني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا.” (متى 15:8)
كم منّا اليوم ينطبق عليه هذا النص دون أن يشعر؟
المسيح لم يلتقط صورًا… بل التقط قلوبًا
بينما نحن نبحث عن مظهر الإيمان، المسيح ذهب إلى الأماكن التي تكشف جوهر الإيمان.
لم يقف خمس دقائق ويغادر، بل:
- جلس مع السامرية رغم فضيحتها (يوحنا 4)
- دخل بيت زكّا رغم سمعة الرجل السيئة (لوقا 19:1–10)
- ركع عند التراب ليحمي امرأة ساقطة من أحجار المتدينين (يوحنا 8:1–11)
المسيح لم يكن يبحث عن منصة… بل عن إنسان.
لم يكن يخاف على صورته… بل كان ينقذ صورة الله داخل الإنسان المكسور.
الويل… كلمة المسيح الأقوى
نحن نخاف من “فضيحة صورة”، لكن لا نخاف من “فضيحة قلب”.
نرتجف إن لم نُظهر أمام الناس أننا بخير…
ولا نرتجف حين نعلم أننا بعيدون عن الله.
لهذا قال المسيح بلا مواربة: “ويل لكم… لأنكم تنقّون خارج الكأس والصحفة، وهما من داخل ممتلئان خبثًا.” (متى 23:25)
هذه ليست جملة غضب…
إنها صرخة إنذار.
صرخة تقول:
“أنتم تُجمّلون الخارج… بينما الداخل ينهار.”
والويل ليس عقابًا مستقبليًا فقط، بل نتيجة طبيعية لإيمان كاذب يقتل الروح يومًا بعد يوم.
القلب الذي لا يواجه نفسه… يفقد الله
علم النفس الروحي يؤكد أن الهروب إلى المظاهر الدينية قد يكون طريقة للهروب من الألم الداخلي — يسمّونه التدين الدفاعي.
لكن الهروب لا يشفي.
التمثيل لا يشفي.
الصورة لا تشفي.
المواجهة وحدها تشفي.
والصدق مع الذات هو أول باب نحو نعمة الله.
الحقيقة النهائية:
الإيمان الذي لا يغيّر الداخل… هو لا شيء**
قد ننجح في إقناع آلاف الناس بأننا مؤمنون… لكن لا أحد يستطيع أن يقنع الله بقلب لا يحب ولا يقترب ولا يتغيّر.
يقول يوحنا بكلمات تقطع كل الأعذار:
“من لا يحبّ لم يعرف الله، لأن الله محبة.” (1 يوحنا 4:8)
لا صورة، لا منشور، لا حضور خارجي، يمكن أن يعوّض قلبًا لا يعرف المحبة.
الخلاصة القاسية… والمخلِّصة
ويل لنا إن بقي الإيمان لقطة كاميرا.
ويل لنا إن خفنا على مظهرنا أكثر من قلوبنا.
ويل لنا إن استمررنا في الأكذوبة، لأن الأكذوبة لا تخلّص… بل تدمّر.
لكن…
طوبى لنا إن بدأنا بالاعتراف.
إن نزعنا القناع.
إن وقفنا أمام الله بلا تجميل، وقلنا:
“يا رب، ليس عندي إلا قلبي… أصلحه.”
حينها فقط يبدأ الإيمان الحقيقي.

اترك تعليقاً