في لحظات الألم، لا تُقاس المحبة بما نقوله… بل بمن نبقى بجانبه.
هناك لحظات تمرّ في حياة الإنسان لا يجد لها تفسيرًا، ولا جوابًا، ولا حتى كلمات. لحظات يصمت فيها المنطق، وتنهار فيها الأسئلة، وتبقى فقط النظرات… والحضور.
المشكلة ليست في أن لا نفهم، بل في أننا نحاول أن نفهم أكثر مما نحب.
نُحلّل بدل أن نُعزّي، نُجادل بدل أن نُصغي، نُصلح بدل أن نحتضن.
لكن هناك وجع لا يُطلب فيه تحليل، بل يدًا تمسك يدًا أخرى.
يقول الطبيب النفسي Irvin Yalom:
“الناس لا يحتاجون إلى حلول بقدر ما يحتاجون إلى من يرافقهم في عمق وجودهم.”
وفي زمن المسيح، لم يكن حضوره دائمًا لإعطاء أجوبة…
بل ليبكي. نعم، ليبكي.
حين رأى مريم ومرثا في حزن على موت لعازر، لم يبدأ بشرح اللاهوت، بل بكى.
وحين التقى الأرملة التي خرجت لدفن ابنها الوحيد في نائين، لم يُلقِ عظة عن الموت، بل “تحنّن” وقال لها: لا تبكي… ثم اقترب ولمس النعش.
ليس صدفة أن يكون أول تعبير عن حب الله في الألم هو الاقتراب.
الاقتراب الذي يتجاوز الأسباب، التفسيرات، الأحكام…
ويقف مع الإنسان كإنسان.
علم النفس الوجودي يؤكد أن الألم المُحتَمل يكون أقل وطأة حين لا يُعاش وحيدًا.
حتى الجراح التي لا تُشفى… تتغيّر حين تُشارك.
لهذا، عندما نرى من يتألم، لا نحتاج أن نُدلي برأينا، أو نُدافع عن موقف، أو نُفسّر الحدث…
بل نحتاج أن نُحب.
نُحب عبر الصمت، عبر نظرة تفهّم، عبر بقاءنا دون شروط، دون تعالٍ، دون لاهوت بارد.
أن نكون هناك… فقط لأن المسيح كان هناك.
والمفارقة؟
حين نبقى مع الآخر في ألمه، نحن أيضًا نُشفى.
لأن الحضور ليس عطية نعطيها… بل معجزة نعيشها معًا.
في الألم، لا تبحث عن الكلمات… ابحث عن يد تمسك يدك. وكن أنت هذه اليد.
سلام ومحبة
د.مازن نوئيل

اترك تعليقاً