حين يصبح النجاح قيدًا والنعمة اختبارًا

محتوى المقالة

حين يصبح النجاح قيدًا والنعمة اختبارًا

هل يمكن أن يكون النجاح الذي نحلم به هو السلاح الذي يستخدمه الشيطان ليبعدنا عن مصدر حياتنا الحقيقي؟

كان يوسف شابًا ممتلئًا بالإيمان، يمشي في نور الله بخطوات ثابتة. عرف طعم الشكر في كل لحظة من حياته، حتى في أصعب أيامه. كان يدرك أن كل نعمة، مهما بدت صغيرة، هي عطية من يد الله، وكان يردد دائمًا: “يا رب، لك المجد في كل شيء.”

لكن النجاح، ذلك الحلم الذي يلاحقه الكثيرون، كان ينتظره ليفتح باب اختبار جديد. انفتحت ليوسف أبواب الحياة؛ المال تدفق، المشاريع ازدهرت، والتصفيق أحاط به من كل جانب. ومع كل خطوة يخطوها نحو القمة، كان هناك صوت خفي يتسرب إلى قلبه:

“أنت من فعلت هذا. أنت من صنع هذا النجاح. لم يعد لديك حاجة إلى الشكر.”

بدأ يوسف يصدق تلك الهمسات. أخذ ينشغل بمشاريعه، وابتعد شيئًا فشيئًا عن صلواته. لم يكن ذلك الابتعاد مفاجئًا، بل كقطرات ماء تنحت الحجر ببطء. كان الشيطان يراقب بصبر، منتظرًا لحظة الضعف.

وفي ذروة نجاحه، جاءت الضربة. انهار مشروعه الأكبر، وتخلى عنه من وثق بهم يومًا. أحاط به الخوف من كل جهة، وكأنه غريب في عالم كان يومًا يراه ملكًا له. هنا، كشف الشيطان عن وجهه الحقيقي، وبدأ يملأ عقله بأفكار قاتمة:

“انتهى كل شيء. لا سبيل للعودة. استسلم.”

بدأ يوسف ينهار. انسحب من العالم، توقف عن الأكل، غرق في ظلام داخلي لا يبدو له نهاية. كانت الحياة تفلت من بين يديه كالرمال. كان الشيطان على وشك أن يُطفئ آخر شعلة من الإيمان في قلبه.

لكن ما لم يدركه الشيطان، هو أن تلك الشعلة الصغيرة كانت تحمل نور المسيح. وفي أحلك لحظاته، تذكر يوسف وعد الرب:

“أنا معكم إلى انقضاء الدهر.”

جمع يوسف ما تبقى له من قوة وصرخ في صلاة: “يا رب، أعني! سامحني لأني نسيتك. كنت أعمى عن حبك ونعمتك.”

وفي تلك اللحظة، اخترق نور الله الظلام الذي أحاط بيوسف. لم يكن ذلك النور ضجيجًا أو صخبًا، بل سلامًا عميقًا يملأ الروح. شعر يوسف بيد الله ترفع عنه الحمل الثقيل الذي كاد يسحقه. أدرك أنه حتى في لحظات نجاحه، لم يكن وحده، وأن الله كان دائمًا هناك، ينتظره بصبر وحب.

بدأ يوسف رحلة جديدة. لم يكن الهدف هذه المرة أن يستعيد ما فقده من مال أو شهرة، بل أن يعيد بناء علاقته مع الله. تعلم أن النجاح ليس في ما نملكه، بل في من نثق به. أدرك أن كل ما كان يظنه قوته الخاصة هو في الحقيقة نعمة من الله، تستحق الشكر كل يوم.

الدرس لنا جميعًا

الشيطان لا يهاجمنا دائمًا بالشر الواضح، بل أحيانًا يستخدم النعم التي نحبها ليبعدنا عن الله. يجعلنا نظن أننا مكتفون بذواتنا، فننسى مصدر القوة الحقيقية. لكن الله، بحبه اللامحدود، لا يتركنا أبدًا، حتى عندما نبتعد. عندما نناديه، نجده دائمًا قريبًا، ينتظر أن يعيدنا إلى حضنه.

تذكر، النجاح الحقيقي ليس في ما نحققه في العالم، بل في أن نبقى قريبين من الله، الذي لا يخذلنا أبدًا. ومهما كان الظلام عظيمًا، نور المسيح أعظم.

سلام ومحبة

د.مازن نوئيل

حجز موعد استشارة اونلاين

يمكنك من هنا حجز استشارة اونلاين مع دكتور مازن

اذا كانت الاستشارة للمرة الاولى ف يمكنكم التواصل من خلال الواتس اب للحجز والاستفسار

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *